فهرس الكتاب
الصفحة 317 من 477

عادل السلهام

في هذه الأيام ما أكثر الدعايات، وما أغزر الإعلانات، فلا تكاد تمر من شارع، أو تقف عند إشارة ضوئية فتقع عينك على لوحات قد لونت وزخرفت وكتبت عليها عبارات ساحرة مع مناظر تشد عقل الناظر إليها فما بين بحار وأنهار وما بين خضرة وأشجار وما بين ظلال ونسائم عطار. يقف الرائي مشدوهاً وهو يقلب نظره في تلك اللوحات يكاد يسيل لعابه لما يرى من تشويق وإثارة في هاتيكم الإعلانات.

ولكن ثمة سؤال واستفسار، ماذا يراد من وراء ذلك كله؟ الجواب السياحة والاستجمام.

نعم إنها دعايات الشركات السياحية، ثلاث أيام بلياليهن في مدينة كذا وكذا، متع نفسك وعائلتك في مدينة كذا وكذا لمدة عشرة أيام.. دلع نفسك وأهلك بصيف.. ليالي حمراء في.. وهلم جرا.. ثم ماذا بعد ذلك.. تجد التنافس فعشر أيام بـ 1500 ريال ثلاث أيام بـ 375 ريال إقامة فندقية مع تجول وسائق خاص لمدة خمس أيام بـ 2750 ريال يا بلاش.. والله أسعار ولا في الخيال.. هذا حال أولئك القوم قصاد السياحة، ومبتغي الاستجمام.. ولكننا هنا لنا شأن آخر..

فالإجازة هي زمن سيبدأ ثم ينقضي، وسرعان ما يدور الزمن دورته ومثلما تكلمت في هذا اليوم سيأتي يوم ونتكلم فيه عن وقت مضى وانقضى (كيف كان انقضائه؟!) .. فالله الله! اعرفوا للأوقات شرفها،، واقدروها قدرها: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وعن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه؟ أو كما قال - صلى الله عليه وسلم- .

فيا أخا الإسلام:

الوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع

أخي في الله: لقد عرف الصالحون الأولون قيمة الوقت، وقصر العمر، وقلة الزاد، فشمروا عن ساعد الجد، وأعدوا العدة وبذلوا الجهد، فحازوا على الغنيمة وانطبق عليهم قول القائل:"من جد وجد، ومن زرع حصد".

فهلموا بنا نقلب صفحات الإعلانات ونطالع الدعايات، نعم الدعايات ودعايات السياحة والاستجمام ولكن شتان بين السياحتين وفرق بين الاستجمامين.

سياحتنا التي نقصدها هي موجودة بيننا وتكون قريبة منا ولكن من الذي يسعى إليها ويشارك فيها ويؤكد حجزه بها ولا يكون حجزه انتظار.

هل عرفتم ما هي سياحتنا؟ وأين أماكنها؟ وما هي العروض التي تقدم فيها؟ إنها سياحة في ظلال الرحمن، واستجمام في واحات الإيمان.

أماكنها معروفة مكشوفة ليست دهاليز مظلمة أو قاعات حمراء معتمة، أو حانات مغلقة، ولا بأماكن تدار فيها كؤوس الخمر وتنظر فيها العيون إلى مسرح يعلوه الرقص والطرب، لا والله وحاشاها أن تكون كذلك لأنها أفضل بقاع الأرض وأقدس شيء فيها، إنها بيوت الرحمن.

نعم قد يستغرب سامع وكيف تكون السياحة فيها؟ أقول لا تستعجل، فكثير من بني البشر قد أعد العدة وجهز الحقائب وحزم الأمتعة، ليسافر في القادم من الأيام ويقضي شيئاً من عطلته في تلكم الديار شرقاً وغرباً. وعلى النقيض من ذلك فهناك من حزم أمتعته وشد أربطته وجهز حاله ليسافر في رحاب رحمانية، وينهل قطوفاً إيمانية.. فلله دره.. فقد قرأ إعلانا عن دورة قرآنية مكثفة مدتها شهر تزيد أو تنقص قليلاً.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام