الشيخ / إبراهيم بن محمد الحقيل من أحكام السفر وآدابه (1)
الخطبة الأولى
الحمد لله؛ خلق البشر ليعبدوه، ورزقهم ليشكروه ولا يكفروه، نحمده على عظيم نعمه، ونشكره على تتابع مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خزائن السماوات والأرض بيده، وكل شيء هالك إلا وجهه [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ] {النحل:96} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بشر أمته وأنذرهم، وما من خير إلا دلهم عليه، ولا شر إلا حذرهم منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه، اتقوه في أنفسكم ورعاياكم، واتقوه في حلكم وترحالكم؛ فإنه سبحانه على كل شيء رقيب، وبكل شيء عليم، ولا تخفى عليه خافية من أقوالكم وأعمالكم ومقاصدكم [إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] {الأحزاب:54} [وَإِنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى] {طه:7-8}
أيها الناس: للنفوس البشرية إقبالها وإدبارها، ولها ضروراتها وحاجاتها، وقد راعى الإسلام ما في النفس البشرية من حب للشهوات؛ فأباح من الشهوات ما ينفعها وينشطها، وحرم عليها ما يضرها ويوبقها، وما من شهوة محرمة في دين الله تعالى إلا ويغني عنها ما هو خير وأنفع منها.
إن الإسلام وإن كان دين الجد والعمل، ويربي أتباعه على الاقتصاد في اللهو والعبث، ويوجههم إلى الآخرة عوضا عن الدنيا وملذاتها؛ فإنه كذلك أباح لهم من لذائذ الدنيا ما يكون عونا على الطاعة، وسببا لاجتناب المحرم.
وتكون هذه اللذات المباحة عبادات يؤجر عليها صاحبها إذا أحسن فيها النية؛ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم.
ولما قال حنظلة الأسيدي ـ رضي الله عنه ـ: ( يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والذي نفسي بيده إنْ لو تداومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات) رواه مسلم.
ولما أراد عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن يأخذ نفسه بالجد، ويفرغها للعمل الصالح؛ رغبة في الآخرة، وإعراضا عن الدنيا؛ تعقبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سيرته تلك فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: يا عبد الله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا)رواه الشيخان.