د. سعيد بن زعير
يعد النشاط السياحي اليوم من أبرز النشاطات في مختلف البلاد وذلك لكثافة الأعداد البشرية التي تطمح لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة وهذا الاتساع الهائل لمجالات النشاط السياحي لم يكن على هذا المستوى أو قريبا منه قبل عشر سنوات مثلا لكن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من جهة، وكثافة الإعلام السياحي من جهة أخرى كل ذلك ساهم في وجود هذه القفزة السياحية العالمية.
فالاتجاه العالمي إلى تقليل ساعات العمل وتوفير إجازات أكثر مع محاصرة الإعلام السياحي للأفراد جعل الكثيرين يخططون منذ وقت مبكر من العام لقضاء إجازة سياحية مهما كانت قصيرة.
إن النشاط السياحي أصبح واقعا ملموسا، والتعامل معه ودراسته والتخطيط له وتوجيهه وتوظيفه للمصالح العامة يتفق مع منطق الحكمة.
وإذا كان الكثير من دول العالم تعتمد على السياحة كمصدر أساسي لدفع دخلها. فان هذا لن يكون في بؤره اهتمامنا الآن خاصة أن إمكانياتنا السياحية لن تكون ذات جدوى اقتصادية في الوقت الحاضر على الأقل.
لكن الاهتمام بالسياحة وان لم يكن مجدي من الناحية الاقتصادية إلا أنه يمكن أن يكون وسيلة جيدة لتخفيف الإنفاق على السياحة الخارجية ذلك أن الكثير من العائلات عندما تحزم حقائبها للسفر تنشد جوا من الراحة وتغيير رتابة الحياة التي عاشتها السنة كاملة أو عدد من السنوات، فإذا توفر لها هذا الجو داخل البلاد فإنها سوف تفضله على السفر للخارج وما فيه من المعاناة والمشكلات الكثيرة من النواحي الأمنية والأخلاقية والتي بدأت كثير من العائلات تواجهها في رحلاتها الصيفية بشكل خاص.
فإذا نجحت السياحة الداخلية في جذب هذه الأعداد الكبيرة من العائلات فإنها ستوفر الكثير من الأموال التي تنفق في هذا المجال.
وليس تخفيف الإنفاق العائلي على السياحة هو الهدف الوحيد لتنشيط السياحة الداخلية ولكن هناك سلسلة من الأهداف المتتابعة والتي سوف تتحقق من أبرزها الجانب الإعلامي بمنجزاتنا الحضارية فالكثير من الأسر داخل المملكة لا تعرف أكثر من القرية أو المدينة التي تعيش فيها فإذا استطاعت السياحة الداخلية أن تجذب هذه الأسر وتشدها إلى المدن الداخلية والساحلية والمناطق السياحية كان لذلك اكبر الأثر في تعريف الأفراد بوطنهم ومنجزاته الحضارية الكثيرة والتي تعتبر معرفتها جزء من الثقافة الوطنية الهامة ويترتب على هذه المعرفة بأجزاء الوطن ومنجزاته الحضارة ارتفاع نسبة الانتماء للوطن والفخر به ومن ثم يصبح الأفراد وسائل إعلامية متحركة في هذا المجال.
ثم إن الأطفال الذين ينشأون داخل الأسرة وينتقلون معها في رحلاتهم السياحية الداخلية يصبح ذلك السلوك جزء من تكوينهم وتصبح السياحة الداخلية سلوكا دائما لهم بدلا من السياحة الخارجية التي تشكل نوعا من التهديد الثقافي لبعض قيمنا وسلوكياتنا والتي ذهب ضحيتها عدد من الشباب.