نعم يا عباد الله: ما أحوجنا أن نقف مع هذه الوصية ونحن نحزم أمتعتنا ونعزم على السفر حتى يكون سفرُنا مبرورا، فإن كثيراً من المسافرين من يتزود لسفره بالتزود المعتاد المتعارف عليه من تهيئة وسيلة النقل وترتيب الأمتعة وأخذ الأموال، وربما غفلوا عن الزاد الحقيقي كما نبه الله تعالى المسافرين إلى الحج لهذه القضية المهمة فقال سبحانه وبحمده ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمْه الله وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى ) فالزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه هم زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار وهو الموصل لأكمل لذة وأجلّ نعيم.
وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية فقال ( اتق الله حيثما كنت ) التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه، والتقوى من أعظم حقوق الله على العبد.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سريّة أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله . رواه مسلم . وكان من دعائه في السفر: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى. رواه مسلم.
ولما كان حال معاذ رضي الله عنه حالَ انتقال من مكان إلى مكان أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى لزوم التقوى على كل حاله فقال ( اتق الله حيثما كنت ) فليست التقوى في بلد دون بلد أو حال دون حال، فكم من الناس من لا تتعدى تقواه حدود بلده فإذا تجاوز حدود بلده تجاوز معها حدود التقوى!! وكم من امرأة تتقي ربها ما دامت بين أهلها ومجتمعها فإذا حلّقت في الفضاء نزعت حجابها وهتكت سترها نازعة قبل ذلك تقوى الله من قلبها ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) متفق عليه. فما أجرأ الخلقَ على ربهم إذا تركوا التقوى أيظنون أن الله لا يراهم؟!!
كتب ابن السماك الواعظ إلى أخٍ له فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيّك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حالك في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرُك، وليكثر منه وجلك، والسلام.
إن العجيب يا عباد الله أن بعض المسافرين ليس لهم قصد من السفر إلا تغيير جو الحر اللافح إلى الجو البارد العليل، ونسوا أنهم بتركهم لتقوى الله قد عرّضوا أنفسهم لحر شديد لا يطيقونه
( قل نار جهنم أشد حرّاً لو كانوا يفقهون ) .
فالبدار البدار يا عباد الله إلى تحقيق التقوى والتمسك بها، فتقوى الله عوض من كل خلف، ليس من تقوى الله خلف.
بارك الله لي ولكم بالقرآن الكريم ..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة المؤمنون: