ومن أجل هذا حرص الغربُ الكافرُ على قضية البعثات العلمية، والدعايات السياحية، والتي من خلالها، يتم غسلُ أدمغةِ كثير من أبناء المسلمين، وقلب المفاهيم لديهم، وتغير الحقائق في أذهانهم، إلى مفاهيم منكوسةٍ، ومعاييرَ مقلوبة، فيخرج جيلٌ لا يعرف من الإسلام إلا اسمهُ، ولا من القرآن إلا رسمهُ، فيعمل هؤلاء في بلدهم ما عجز الأعداء عن تنفيذه وعمله.
أيها الأخوة في الله:
وإذا انتقلنا من القرن الخامس عشر لنقف على القرن الأول الهجري، قرنِ الجيلِ الفريد، أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلّم، لنرى صورةً مشابهةً لهذه الصورة، ونعلمَ أن الفتنةَ لا تؤمن على الحي ولو كان أتقى الناس، فـ"القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء". (1) كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعندما اشتد آذى كفارِ قريش للفئة المؤمنة في مكة، وضاقت بهم الأرض، أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وذكر عليه الصلاة والسلام أن فيها ملكاً لا يظلم، فانتقل إليها كوكبةٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليعبدوا الله تعالى دون أن يمسَهم أذى أو يصيبَهم مكروه، وكان من ضمن هؤلاء الذين هاجروا عبيدُ الله بنُ جحش الأسدي مع زوجِته أمِ حبيبة بنتِ أبي سفيان رضي الله عنها، فلما وصل هناك ورأى أهلَ الحبشةِ وما هم عليه من دين، وكانوا على دين النصرانية، تأثر بهم، فكان يفكّر دائماً، وبعد فترة من الزمن قرر الدخولَ في النصرانية، وبالفعل أخبر زوجتَه أمَ حبيبة أنه ترك الإسلامَ ودخلَ النصرانيةَ! نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
تأمل معي أخي الكريم هذه الحادثةَ العجيبةَ، رجل أسلم قديماً، فكان من أوائلِ من أسلم، وهاجر من أجل الدين، ترك أرضَه وأهلَه ومالَه من أجل الدين، وهو من القرن الأول، وممن شاهد التنزيلَ، ورأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم، وما أيده به الله تعالى من معجزات، وهجرتُه كانت لضرورة ولم تكن من أجل السياحة والنزهة، أو قضاءِ الوقت للتعرف على معالم تلك البلاد! ومع ذلك؛ حدث له هذا الحادثُ العظيم، الذي خسر به الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران العظيم.
فماذا نقول إذن لمن هم أقلُ من هذا بكثير؟!. ماذا نقول لمن ينتقلون إلى تلك الديارِ البائسةِ من أجل السياحة ويصطحبون معهم فلذاتِ الأكباد، ومهجَ النفوس؟! حتى بلغ عددُ الذين يسافرون لتلك الديار البائسة أكثرَ من أربعةِ ملايين سائح.
وقد أكدت الدراساتُ أن أربعةً وعشرين بالمائة من الأسر السعودية تتجه نحو السياحةِ الداخلية، بينما يتجه سبعةٌ وأربعون بالمائة إلى دول غربية، والنسبة الأخرى متجهةًَ إلى الدول العربية!.
وبلغت نسبةُ المصروفاتِ الخارجيةِ حوالي خمسةٍ وأربعين مليار ريال سعودي. (2)
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فإلى الذين يردّدون صباح مساء: لا إله إلا الله، وهم يعلمون أنهم يعلنون بهذا، ولاءهم الكاملَ لله ورسوله، ويسلمون له قيادَهم.
إلى المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون.