ومهما طال عمر الإنسان فهو قصير مادام الموت نهايته ، فعند الموت تنكمش الأعوام والعقود حتى لكأنها لحظات برق مرت ، يحكى عن نبي الله نوح عليه السلام: أنه جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده ، فسأله كيف وجدت الدنيا ؟ فقال: كدار لها بابان ، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر ، ويقول العليم الخبير: { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } ، ويقول سبحانه: { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم } .
وثانيها: أن ما مضى منه لايعود ولا يعوض ، يقول في ذلك الإمام الجهبذ الحسن البصري: (( ما من يوم ينشق فجره ، إلا ينادي يابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ) )، وما من ميت يموت إلا ويندم على ما مضى من عمره فالصالح حينما يرى النعيم يندم الا يكون قد إزداد منه ، والفاسق عياذاً بالله يتمنى لوكان عمل صالحاً حتى أنه ينادي ربه فيقول: { ربي ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } ولكن هيها هيهات ، فقد طويت صحيفته وحضرت منيته ، وحكمت قضيته .
الثالثة: أنه أنفس ما يملك الإنسان ، إنه أنفس من الذهب والجوهر ، يقول أحد المصلحين: الوقت هو الحياة ؛ فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة .
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
وفي هذا يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: (( يابن آدم ، إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ) )، فما أشد جهالة من يردد تعال نقتل الوقت ، وما أشد تفريط وحسرة من ضيع عمره في السهرات ، وما تبثه الدشات ، ومتابعة المسلسلات ، وتلقط أخبار اللاعبين واللاعبات والفنانين والفنانات .
يا أبناء أمة الإسلام العظيمة أمتكم تعاني من الذل والهوان ، وتشكوا إلى الله من الضعف والعناء ، فكيف تقوم أمة شُغل جُلُّ أفرادها بالترهات ، وأخذوا يتفننون في قتل الأوقات ؟ ! .
يا أبناء أمة الإسلام العظيمة لقد خلقتم لمهمة شريفة وغاية نبيلة ، لقد حملتم أمانة هداية الناس واخراجهم من دياجر الظلمات إلى فسحة النور ، وللنظر إلى سلف هذه الأمة الذين أدركوا الأمانة الملقاة على عاتقهم كيف كان تعاملهم مع الوقت .
أما عن نظرتهم إليه فنكتفي بشعارين لهما الأول يقول: (( من علامة المقت إضاعة الوقت ) )، والثاني يقول: (( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) ). فكم لهذا السيف من ضحايا في شبابنا المعاصر ضحايا متسكعون في الأسواق ، وأخرين يبيتون ساهرين على أرصفة الطرقات ، أو أمام شاشات الدشات . ولم تكن هذه شعارات جوفاء بل كانت حياة يعيشونها .