فهرس الكتاب
الصفحة 467 من 477

أيها الإخوة المسلمون، إن السفر في الإسلام لا بأس فيه، بل قد يكون مطلوباً لأغراض شرعية، يقول الثعالبي - رحمه الله:"من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله - تعالى -، ويدعوه شكراً على نعمه" [1] ، وقد قيل:

لا يصلح النفوسَ إذا كانت مدبرة *** إلا التنقلُ من حال إلى حال

إني رأيت وقوف الماء يفسده *** إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطلب

والأُسْد لولا فراق الغاب ما افترست *** والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لملَّها الناس من عُجْم ومن عرب

لكن السفر في الإسلام له حدود مرعية وضوابط شرعية، منها أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاع موبوءة ومستنقعات محمومة وأماكن مشبوهة فلا، ما لم يكن ثمَّ ضرورة، مع المحافظة على شعائر الإسلام لا سيما الصلاة، وهل يُلقى بالحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة والسباع الضارية؟!

وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: الضرورة الشرعية كعلاج ونحوه.

فيا أيها المسافرون، هلاّ سألتم أنفسكم: إلى أين تسافرون؟ ولماذا تسافرون؟ أفي طاعة الله أسفاركم أم إلى معصيته ارتحالكم؟؟ فإذا كان سفركم طاعةً لله في منأًى عما يسخط الله فالحمد لله، وامضوا على بركة الله تكلؤكم عناية الله، وإن كان سفركم في معصية الله وفي غير طاعته ورضاه فاتقوا الله واستحيوا من الله، فإنه يراكم ومطلعٌ عليكم،"إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" [النساء: 1] .

يا أيها المسافرون، اجعلوا سفركم ابتغاء مرضاة الله، وإن كنتم تنوون في أسفاركم المعاصي فأنتم مدعوون إلى الرجوع عنها وتغيير هذه النية السيئة، مدعوُّون إلى التوبة والإنابة،"يا أَيُّهَا اَّلذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً" [التحريم: 8] .

أخي المسافر المبارك، إن المسلم الواعي هو من أعمل فكره وأخذ من أحداث الناس عبرة، فكم من أناس سافروا طلبا لاقتراف الحرام وبَحْثاً عن المعاصي وقبيح الآثام فكان جزاؤهم الخيبة والخسران؛ أصابتهم الأمراض المستعصية، وانتقلت إليهم الجراثيم المعدية، بما كسبت أيديهم وبما اقترفوا من معصية باريهم.

أتفرح بالذنوب وبالمعاصي *** وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي

إخوتي المسافرين، تحلَّوا بآداب السفر، قدموا الاستخارة والاستشارة، لا تنسوا دعاء السفر، وحسن اختيار الرفيق، وتفقّد المركبة، والأخذ بوسائل السلامة والأمان، وعدم تجاوز السرعة النظامية، فإن في الحوادث لا سيما حوادث السيارات لعبراً. عليكم بأداء حق الطريق والمحافظة على البيئة، واجعلوا سفركم دراسة في سِفر الحياة وقراءة وتدبراً في دفتر الكون.

وكتابيَ الفضاءُ أقرأ منه *** صوراً ما قرأتها في كتابي

وتفكراً في ملكوت الله *** وعظيم خلقه وبديع صنعه.

تلك الطبيعة قِف بنا يا سارِ *** حتى أريك بديع صُنع الباري

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام