فهرس الكتاب
الصفحة 468 من 477

فالأرض حولك والسماء اهتزتا *** لروائع الآيات والآثار

أيها المسافرون، ولما كان السفر قطعة من العذاب كما أخبر به المصطفى الأواب فيما أخرجه الشيخان في صحيحيهما [2] ، جعل الله له رُخصاً تيسِّره مِنةً منه ورحمة. فاحرصوا على الأخذ برخص السفر، فإن الله يحب أن تؤتى رُخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته.

واقتفوا هدي نبيكم في السفر، وكان من هديه قصرُ الصلاة الرباعية ركعتين، وإذا اشتد به السفر جمع بين الظهرين والعشاءين، وكان يقتصر على صلاة الفريضة، ولم يكن يصلي الراتبة إلا الوتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن يدعهما حضراً وسفراً، ورخّص للمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، ونهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. خرجه الشيخان في صحيحيهما [3] .

أخي المسافر الكريم، تجنّب المحاذير الشرعية من منكرات الحضر والسفر التي نهانا عنها الله - جل وعلا - في كتابه وحذرنا منها رسوله. تجنب الشرك بالله، فلا تخف إلا الله، ولا ترجُ إلا الله. لا تسافر إلى الأضرحة والقبور، ولا تدع أحدًا من دون الله. إياك والرياء، اجتنب المرابين والربا. ولا تقربوا الزنا فإنه من أقبح الأمور وأعظم الآثار والشرور. حذار من الخمور والمسكرات وتعاطي المخدرات، فإنها خرابٌ للدين، دمارٌ للعقل، كيف يسعى في جنون من عقل؟! بغيضةٌ إلى الرحمن، رجس من عمل الشيطان. لا تتعامل بالحرام، ولا تتاجر فيما يسخط الملك العلام، ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أخبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يستجاب له؟! خرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه [4] .

لا تسافر مع الذين أُترِعت قلوبهم بحب الشهوات، ولا ترافق الذين خلت أفئدتهم من مراقبة رب الأرض والسموات،"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً" [النساء: 27] .

أيها المسلمون، من الناس من يطلق لنفسه وأسرته العِنان في السفر إلى بلاد موبوءة، ليفتن نفسه بالشهوات المحرمة والأفعال الآثمة، والمظاهر المخزية والأعمال المردية، في مواخير الفجور والزنا وحانات الغي والخنا، في دهاليز الميسر والقمار، وفي مستنقعات العار والشنار، بعيداً عن أنظار الخيرين وأهل الفضل المصلحين. فاحذروا مواقع الزلل وأماكن الخطأ والخطل، بل لقد وصل الحال ببعضهم وببعضهن أن تنزع جلباب حيائها قبل أن تغادر أرض بلادها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فيا من أخفيت نواياك في سفرك عن البشر، يا من قصدت مكاناً لا تقع فيه تحت عين ونظر، ألا تخشى سطوةً رب البشر وأنت تبارزه بالقبائح وتعامله بالفضائح؟!

ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما تُخفي عليه يغيب

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام