فهرس الكتاب
الصفحة 378 من 477

والسفر مظنة تضييع الأوامر والنواهي؛ لغياب الرقيب من الناس، وكثرة الانشغال والانصراف إلى اللهو والترويح.

إن الإنسان في بلده تقيده عما لا ينبغي فعلُه قيود كثيرة يتحرر منها في سفره فلا يبقى إلا مراقبة الله تعالى، فظهور حفظ العبد لله تعالى وأوامره ونواهيه في السفر أكثر من ظهوره في الحضر؛ لتحرر العبد من القيود، وغياب الرقيب من البشر، فكان السفر امتحانا للعبد في صدقه مع الله تعالى، ومراقبته له، وحفظه لأوامره ونواهيه، بحفظ بصره عما حرم الله تعالى، وحفظ سمعه عن سماعه، وحفظ رجليه عن الذهاب إليه، وحفظ سائر جوارحه عن الحرام وقد روى أبو مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من حَفِظَ ما بين فُقْمَيْهِ وَفَرْجَهُ دخل الْجَنَّةَ» رواه أحمد، ورواه البخاري عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ»

وإذا حفظ العبد ربه حفظه الله تعالى «احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ» وحفظ الله تعالى للعبد يكون في دينه ودنياه؛ فيحفظ عليه دينه، ويعينه على نفسه وشيطانه، فيعبد الله تعالى في سفره كما يعبده في حضره، ويقيم دينه حال غيبته عمن يعرفونه كما يقيمه في حضرتهم، وإذا نازعته نفسه على ارتكاب شهوة محرمة في حال ضعف كان من حفظ الله تعالى له صرفه عنها، أو عدم قدرته عليها. ويعينه الله تعالى على حفظ سمعه وبصره وسائر جوارحه عن المحرمات، فلا يأسره شيء منها وإن أسر غيره، ويحفظه الله تعالى في نفسه من كوارث السفر ومخاطره، ويحفظ ماله من الضياع والسرقة، ويحفظ أهله وولده فلا يفجع فيهم، ويحفظ الله تعالى عليهم دينهم وأخلاقهم بصلاح والدهم ودعائه، ومراعاته أوامر الله تعالى في نفسه وأهل بيته؛ لأنه قد حظي بمعية الله تعالى له في سفره، ومن كان الله تعالى معه فلن يخشى أحدا، ولن ينال عدو منه شيئا، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام وهما يواجهان أطغى الطغاة، وأقسى الجبابرة [لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى] {طه:46} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنهما في سفر الهجرة وقد أطبق المشركون عليهما من كل جانب، قال: «ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا» رواه الشيخان.

ألا فاتقوا الله ربكم في حلكم وترحالكم، واحفظوا دينكم في إقامتكم وأسفاركم؛ فحاجتكم إلى دينكم أعظم من حاجتكم إلى طعامكم وشرابكم ونفسكم، واعلموا أنكم مفتقرون إلى ربكم رغما عنكم؛ فإن قبلتم فقركم له، وسلمتم الأمر إليه، وأسلمتم له قلوبكم وأعمالكم أغناكم وحفظكم في أنفسكم وأهلكم وأولادكم، وإلا كان الهلاك والشقاء في الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ] {الملك:20-21}

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام