فهرس الكتاب
الصفحة 379 من 477

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {البقرة:281}

أيها المسلمون: أكثر الناس يحرصون على الأسباب المادية لاتقاء الحوادث والفواجع ولا سيما في الأسفار، ولكنهم يهملون الأسباب الشرعية، وهي أهم وأولى بالرعاية والمحافظة من الأسباب المادية، والجمع بينهما سبب لحفظ العباد ووقايتهم.

ومن الأسباب الشرعية لحفظ المسافرين ووقايتهم من مفاجئات الطريق، ومخاطر السفر؛ حسن توديع القرابة للمسافر بالدعاء الوارد في حديث قَزَعَةَ بنِ يحيى البصري رحمه الله تعالى قال: قال لي ابنُ عُمَرَ: «هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ» رواه أبو داود، ورواه ابن حبان عن مُجَاهِدٍ رحمه الله تعالى قال: «خَرَجْتُ إِلَى الْعِرَاقِ أَنَا وَرَجُلٌ مَعِي فَشَيَّعَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَنَا قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ أُعْطِيكُمَا وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا اسْتُوْدِعَ اللهُ شَيْئًا حَفِظَهُ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكُمَا وَأَمَانَتَكُمَا وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكُمَا» .

وهذا التوديع العظيم فيه دعاء بحفظ المودَع في أموره الدينية والدنيوية، ولا يحسن بالمودِعين للمسافرين الغفلة عنه .

وإن سافر دون أهله وولده فما أشدَّ حاجته إلى حفظهم حال غيبته عنهم فَيُوْدِعُهُم الله تعالى وهو خير حفيظ، قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه لِرَجُلٍ: «أُوَدِّعُكَ كما وَدَّعَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْدَعْتُكَ الله الذي لاَ يُضَيِّعُ وَدَائِعَهُ» رواه أحمد.

والمحافظة على دعاء السفر مع فهم معانيه واليقين بما فيه سبب شرعي لحفظ المسافر فقد جاء فيه التعوذ بالله تعالى من «وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ» وفي هذا استعاذة من المشقة والتعب، ومما يورث الهم والحزن، ومن أي سوء يصيب الأهل والمال.

وينبغي للمسافر أن لا يُفَرِّط في أدعية الصباح والمساء والنوم وأدبار الصلوات التي قد يشغله عنها شاغل، وهو في حال سفره أشد حاجة إليها من حال إقامته؛ لكثرة ما يحيط به من مفاجئات السفر ومخاطره، ومن قرأ آية الكرسي لا يزال عليه من الله تعالى حافظ ولا يقربه شيطان.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام