يقول عبد الرحمن بن غنم:"كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا في مدينتهم كنيسة، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب، ولا يؤوا فيها ولا في منازلهم جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يضربوا بنواقيسهم إلا ضرباً خفيا في جوفها، ولا يظهروا عليها صليباً، ولا يرفعوا أصواتهم في الصلاة، ولا القراءة في كنائسهم فيما يحضره المسلمون، ولا يخرجوا صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يبيعوا الخمور، ولا يظهروا شركاً، ولا يرغّبوا في دينهم، ولا يدعو إليه أحداً، وأن يلزموا زيّاً حيثما كانوا، ولا يتشبهوا بالمسلمين في لبسهم، ولا في مراكبهم، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يكتنوا بكناهم، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، ولا يفرقوا نواصيهم، ويشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يركبوا السروج، ولا يتخذوا شيئاً من السلاح، ولا يحملوه، ولا يتقلّدوا السيوف، وأن يوقروا المسلمين في مجالسهم ويرشدوهم الطريق، ويقوموا لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يشارك أحدهم مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق" (7) .
سبحان الله!.
ما هذا البون الشاسع بين تلك القمة الشماء، وبين هذا الغثاء الذي يعيش اليوم على الأرض متميعاً متسكّعاً وراء الكفار والملاحدة، ومع هذا يحسب نفسه مسلماً؟!.
أين تلك العزة والقوة والسلطان الرباني الذي أخذ به ذلك الجيل؟!.
أين هذا من الضعف والاستخذاء والتبعية العمياء التي يعيشها المسلمون اليوم؟!.
ترى: هل المنتسبون اليوم للإسلام في درجة الذميين الذين طبقت عليهم هذه الشروط؟!.
هل المسلمون اليوم ذميون للكفار؟!
إن الذي يظهر أنه حتى هذا الافتراض الأخير فإن المسلمين اليوم أقل قدرا من ذميي الأمس، ذميو الأمس: في صغار وفي ذلة وفي زي معين ومكان معين.
أما بعض مسلمي اليوم ففي صغار و ذلة واستكانة عن إسلامهم وتبعية للشرق والغرب، وإعجاب وانبهار بما عليه أعداء الإسلام، وسخرية واستهزاء بما كان عليه سلف هذه الأمة!.
ومن هنا فهم أحط قدراً عند الله - ما داموا بهذه الصفات - وأحقر من أن يهابوا، وأصغر من أن تُسمع لهم كلمة في المجتمع الدولي المعاصر.
فعلى المسلم الصادق، المسلم الواعي، المسلم المدرك لحقيقة إسلامه أن يعرف أين يضع قدمه، ومَنْ يقلد ويتبع، وأن يعلم أن التشبه بأعداء الله ومحاكاتهم في حركاتهم وسكناتهم لا تلتقي مع صدق إيمانه، وإنما يفعل ذلك من يزعم الإسلام زعما وبئس ذلك الزعم الكاذب" (8) ."
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية