فهرس الكتاب
الصفحة 16 من 477

ماذا نقول لمن يريد السياحة التي يصحبها إسفاف في العقول، وتحطيم للقيم، وهتك للأعراض، وسفك للدماء، ونشر للرذيلة، وانتشار لشبكات المخدرات والمسكرات، وضياع للأمن؟!.

وكيف نقول للمعجبين بسياحة العصر، المنادين لها عبر وسائل الإعلام المختلفة؟!.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهي عنه"، قال الإمام أحمد:"ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين" (5) .

أيها الأخوة:

إذا كنا قد نُهينا عن السياحة التي هي بمفهوم الرهبنة والانقطاع للعبادة، وذلك من أجل مخالفة للنصارى فيما هم عليه من الرهبانية المبتدعة، فكيف نقلدهم ونحاكيهم في المناداة بالسياحة العصرية الشهوانية؟!.

سبحان الله!.

(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) . [سورة الحج، الآية: 46] .

لقد صدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلّم:"لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟! قَالَ: فَمَنْ" (6) .

فأي انهزامية بلغناها؟!. وأي مدى من التبعية وصلناها؟! حتى أصبحنا نأخذ الأمور على عواهنها، دون مراجعة وتمحيص.

دعونا - يرحمكم الله - ننظر إلى الوراء قليلاً لنقف على العزة التي افتقدناها، والكرامة التي ضيعناها:

أقبل ربعي بن عامر يسير على فرسه إلى رستم ملك الفرس، فلما انتهى إليه وإلى أدنى البسط، قيل له: انزل فحمل فرسه على البساط، فلما استوت عليه، نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما، ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه، وإنما أروه التهاون وعرف ما أرادوا، فأراد استحراجهم، فقالوا: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم، أنتم دعوتموني، فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت. فأقبل يتوكأ على رمحه، فما ترك لهم نُمرقة ولا بساطاً إلا أفسده وتركه مخرقا، فلما دنا من رستم تعلق به الحرس، وجلس على الأرض، وركز رمحه بالبسط.

فقالوا: ما حملك على هذا؟! قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه. فكلمه فقال: ما جاء بكم؟! قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا، حتى نفضي إلى موعود الله.

قال: وما موعود الله؟! قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي"."

واسمع يا رعاك إلى بعض الشروط العمرية التي فرضها عمر رضي الله عنه على أهل الجزية لتعلم مدى عزة أهل الإسلام:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام