فهرس الكتاب
الصفحة 15 من 477

فإن الله تعالى قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله صلى الله عليه وسلّم بذلك فقال: (سَائِحَاتٍ) وذلك في قوله سبحانه: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) . [سورة التحريم، الآية: 5] .

وأخرج ابن جرير بسنده عن عبيد بن عمير قال:"سئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن السائحين فقال: هم الصائمون" (3)

قال ابن كثير:"وهذا مرسل جيد". وكذا فسر السياحة بالصيام، أبو هريرة وابن مسعود و ابن عباس و عائشة وغيرهم، رضي الله عنهم.

وعن سفيان بن عيينة قال:"إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح".

وفسرها بعضهم بالمداومة على فعل الطاعات.

وقد أخرج ابن أبي حاتم أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة؟! قال:"كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار".

وفسرها بعضهم بالهجرة.

أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله سبحانه: (السَّائِحُونَ) . [سورة التوبة، الآية: 112] . قال:"هم المهاجرون؛ ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة، وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة، ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ترهب".

قال ابن القيم، رحمه الله:"وفُسرت السياحة بالصيام، وفُسرت بالسفر في طلب العلم، وفُسرت بالجهاد، وفُسرت بدوام الطاعة".

والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته، والإنابة إليه، والشوق إلى لقائه، ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال، ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن: (سَائِحَاتٍ) . [سورة التحريم، الآية: 5] . وليست سياحتهن جهاداً، ولا سفراً في طلب علم، ولا إدامة صيام، وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه وذكره.

وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين؛ هذه ترك ما يكره، وهذه فعل ما يحب، والحمد والسياحة قرينتين، هذا الثناء عليه بأوصاف كماله، وسياحة اللسان في أفضل ذكره، وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله، كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج، فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب" (4) ."

وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرّد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:"يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن".

فلا إله إلا الله!.

يُنهى رجال أن يتفردوا في شواهق الجبال من أجل عبادة الكبير المتعال! فهل يعقل أن يؤذن بالسياحة بمفهومها العالمي المعاصر؟!.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام