فهرس الكتاب
الصفحة 78 من 143

فإنما قالوا ذلك لما ثبت في النقل عمّن يخبر عن الوحي أنه قال كذلك، فنطقوا به كما ورد مبالغة في الإخبار عن كون علم القدر مكتوما عن الخلائق أجمع، فإن الله تعالى قال في كتابه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65] ، ثم أخبر عمن يمنحه بالإظهار على ما يشاء من غيبه، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] ، فأخبر أن الرسول هو الممنوح بالإظهار على ما يشاء من غيبه ليكون معجزة له، وحجّة على من أرسل إليهم، والقدر من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وجعله سرّا مكتوما عن خلقه أجمع، كعلم الساعة، على ما قال تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] .

وأما قولهم: (والتعمّق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلّم الحرمان، ودرجة الطغيان) ، فإنما قالوا ذلك لأنّ التّعمّق في طلب الوقوف على المكتوم بعد المعرفة بكونه مكتوما ينشأ عن الإنكار والارتياب، وهما من صفات أهل النفاق والإلحاد، ثم المناظرة في ذلك يفضي إلى المنازعة في أحكام الربوبية، فيكون مبدأ التّعمّق وذريعة الخذلان، والمخذول هو الذي منع بسبب خلافه عن شمول النصرة والعناية، ثم يرتقي سلّم الحرمان باستمراره على الخلاف، ثم ينتهي إلى درجة الطغيان، وهو المجاوزة عن الحدّ المجعول للعبد إلى المنازعة في أحكام الربوبيّة، فلذلك رتّبوا هذه الأحرف على هذا النسق.

وأما قولهم: (فالحذر كلّ الحذر من ذلك، نظرا وفكرا ووسوسة) ، فهذا منهم مبالغة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام