حدوثه، إذ ما كان مخلوقا محدثا لا يخلو عن الكيفية، لكنّهم أرادوا بذلك أنه تعالى أظهره للسامع قولا بلا كيفية، فأرادوا بنفي الكيفيّة عن كلامه تعالى إثبات أزليّة كلامه وقدمه، ولا يعنون به حدوث معنى في ذات الله تعالى، ولكن يعنون به أنه يطلع الملك أو من شاء من الأنبياء على قوله الذي هو صفة أزليّة قائمة بذاته، وليس من ضرورة الاطلاع حدوث ما يطلع عليه، فإنا اطلعنا على أثار قدرته في خلق العالم وإيجاده عند تأمّلنا فيها، ولم يلزم من ذلك حدوث قدرته.
وأما قولهم: (وأنزله على نبيه وحيا) ، فإنما قالوا ذلك للنّصوص المصرّحة بالتنزيل والوحي، كقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ، وقوله: تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] ، فقال فقهاء الملّة: إن القرآن كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله على ما نصّ الله تعالى عليه.
وأما قولهم: (وصدّقه المؤمنون على ذلك حقا) ، فهذا منهم بيان أنّ الصحابة الذين شهدوا نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقّقوا إعجازه، وصدّقوا كونه كلام الله تعالى وكتابه وتنزيله، نقوله إلى من بعدهم على ما تلقّوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا الخلق إلى إقامة حكمه اعتقادا وعملا، وجاهدوا من امتنع عن الانقياد