فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 143

ثم الذي يبطل مذهب المعتزلة قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] ، فيكون على مذهب المعتزلة وتأويلهم أن الهدى هو البيان والأمر والدعاء لا غير، فيكون تقدير الآية: إنك لا تبيّن الحق ولا تأمر ولا تدعو إلى الحقّ من أحببت، ومتى حملوه على هذا افتروا على الله وعلى رسوله، ولا يمكنهم حمل النصّ على هذا، بل معنى الآية من كل بدّ تخليق الاهتداء والتوفيق، أي: إنّك لا تخلق فعل الاهتداء، أو لا تملك التوفيق، إنما ذلك إلى الله تعالى، فدلّ أنّ وراء البيان هداية أخرى، وليس ذلك إلا ما قلنا، يدلّ عليه أنّ الله تعالى قال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] ، ولو كان المراد من الهداية الدعوة وبيان الطريق ينبغي أن يقال: كلّ من دعاه الله تعالى إلى الإيمان وبيّن له طريق الدّين فهو مشروح الصدر، فيصير قوله: يجعل صدره ضيّقا حرجا، كذبا باطلا، وهو كفر.

ويدلّ أيضا على ضلالتهم قسمة الله الخلق قسمين:

أحدهما: قوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام

والقسم الآخر: ومن يرد أن يضلّه يجعلْ صدره ضيّقا حرجا، فيصير هذا التقسيم على تأويلهم باطلا، وذلك لأنّ الله تعالى بيّن الطريق لكلّ كافر، فقد شرح صدره ووجده ضالا وسمّاه ضالا، على تأويلهم بقوله يضلّه أو يسمّيه ضالا ويجده ضالا، فإذا: كل كافر

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام