وأما قولهم: (لم يخف عليه شيء من أفعالهم قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم) .
قال أبو منصور: وإنما أوجبوا الاعتقاد بسبق علم الله تعالى بكلّ كائن من خلقه قبل كونهم، لأنه تعالى هو القديم الكامل، وما سواه محدث، وثبوت العلم من صفات الكمال، فيستحيل عليه الجهل لما فيه من التعرّي عن الكمال. وإنما قرنوا التخليق بالعلم، لأنّ العلم بالمخلوق من شرط التخليق، قال الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] ، وقال تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] .
وأما قولهم: (وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته) .
قال أبو حفص: وإنما ذكروا أمره ونهيه بعد ذكر علمه وتخليقه للعالم؛ ليعلم أنه تعالى خلقهم للاستعباد بالأوامر والنواهي، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، ولأهل الحقّ في تأويله وجوه:
أحدها: وما خلقت الجنّ والإنس إلا وعليهم عبادتي.
والثاني: وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم وأنهاهم.
والثالث: وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم بعبادتي.
والكلّ يرجع إلى معنى واحد.
وأما قولهم: (وكلّ شيء يجري بقدرته ومشيئته) ، وإنما قالوا ذلك لما أنّ كلّ حادث