فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 335

ومن القواعد المفيدة أيضاً في هذا الباب أن أسماء الله الحسنى كلها مختصة بالله عز وجل، فإضافتها إليه تعني اختصاصه بها، فله سبحانه الكمال المطلق لا شريك له ولا سميَّ له ولا مثيل تعالى الله عن ذلك.

يدل لذلك قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الأعراف: 180] ، وقوله: (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه: 8] ، وتقديم الجار والمجرور يفيد القصر، أي: قصر كمال الحسن الثابت لأسمائه سبحانه عليه، أما حكم تسمية البشر بأسماء الله فالأمر في هذا يكون على وجهين:

الأول: ما كان من أسماء الله علماً مختصاً به سبحانه وتعالى، كلفظ الجلالة"الله"و"الرحمن"و"الخالق"و"الباري"و"القيُّوم"فلا يجز تسمية غيره به؛ لأن مسماه معين لا يقبل الشركة، فالله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والرحمن يدل على كمال رحمة الله التي وسعت كل شيء، وهو بكثرة استعماله صار علماً بالغلبة عليه سبحانه مختصّاً به، والخالق من يُوجِد الشيء على غير مثال سابق، والبارئ من يوجد الشيء بريئاً من العيب، وذلك لا يكون إلا من الله وحده، فلا يسمى به إلا الله تعالى، والقيوم هو المستغني عن غيره المفتقر إليه كل من سواه، وذلك مختص بالله.

فهذا النوع من الأسماء يمتنع تسمية غيره بشيء منها.

الثاني: ما كان من الأسماء له معنى كلي تتفاوت فيه أفراده، كالملك والعزيز والجبار والمتكبر، فيجوز تسمية غيره بها، فقد سمى الله نفسه بهذه الأسماء وسمى بعض عباده بها، كقوله تعالى: (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) [يوسف: 51] ، وقوله: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35] ، ولا يلزم من ذلك التماثل؛ لأن الإضافة تقتضي التخصيص، فما يضاف إلى الله منها يخصه ويليق به سبحانه وبجلاله وكماله، وما يضاف منها إلى المخلوق فعلى معنى خاص يليق بالمخلوق وينقصه وضعفه.

فهذا صواب القول في هذه المسألة، قال ابن كثير رحمه الله:"والحاصل: أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك" (1) .

(1) "تفسير ابن كثير" (1/ 36) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام