روى ابن أبي الدنيا بسندٍ جيد عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال:"كانوا يقولون - يعني أصحاب النبي صلى الله ليه وسلم-: الحمد لله الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقاً دائماً لا يتصرف لقال الشاكُّ في الله: لو كان لهذا الخلق رباً يحادثه، وإن الله عز وجل قد حادث بما ترون من الآيات: إنه جاء بضوء طبَّق ما بين الخافقين، وجعل فيها معاشاً، وسراجاً وهاجاً، ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق، وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين، وجعل فيها سكناً ونجوماً وقمراً منيراً، وإذا شاء بني بناء جعل فيه من المطر والبرق والرعد والصواعق ما شاء، وإذا شاء صرف ذلك، وإذا شاء جاء ببرد يقرقف الناس، وإذا شاء ذهب بذلك، وجاء بحرٍّ يأخذ بأنفاس الناس ليعلم الناس أن لهذا الخلق رباً هو يحادثه بما يرون من الآيات، كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة" (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا ذلك وبينوه للناس، وعرفوا أن حدوث الحوادث اليومية المشهودة تدل على أن العالم مخلوق، وأن له رباً خلقه ويحدث فيه الحوادث" (2) .
ثم أورد أثر الحسن المتقدم وعلق عليه تعليقاً مختصراً.
ومن رفق الله بعباده رفقه سبحانه بهم في أحكامه وأمره ونهيه، فلا يكلف عباده ما لا يطيقون، وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة، وأسقط عنهم كثيراً من الأعمال بمجرد المشقة رخصة لهم ورفقاً بهم ورحمة، ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة، بل تدرج بهم من حال إلى حال حتى تألف النفوس وتلين الطباع ويتم الانقياد.
ومن رفقه سبحانه إمهالُه راكب الخطيئة ومقترف الذنب وعدمُ معاجلته بالعقوبة لينيب إلى ربه وليتوب من ذنبه وليعود إلى رشده.
(1) "كتاب المطر والرعد والبرق والريح"لابن أبي الدنيا (ص/80 - 81) .
(2) "جامع الرسائل" (1/ 139) .