يعني بذلك صلى الله عليه وسلم أن الغلاء والرُّخص والسَّعة والضيق بيد الله دون غيره، فكذلك قوله تعالى ذكره: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) ، يعني بقوله: (يَقْبِضُ) يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه، ويعني بقوله: (وَيَبْسُطُ) يوسع ببسطه الرزق على من يشاء منهم، وقوله: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي: وإلى الله معادُكم أيها الناس، فاتقوا الله في أنفسكم أن تُضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده، وأن يعمل من بسط عليه منكم في رزقه بغير ما أذِنَ له بالعمل فيه ربُّه، وأن يحمل المقتر منكم - فقُبض عنه رزقه - إقتارُه على معصيته، والتقدم على ما نهاه، فيستوجب بذلك منه بمصيره إلى خالقه ما لا قِبَل له به من أليم عقابه" (1) ."
ففي هذا السياق تنبيه لمن بسط الله له في ماله أو علمه أو مكانته أن ينفق مما آتاه الله، وأن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه، ومن ضيق عليه في ذلك فليلجأ إلى الله وحده طالباً مده وعونه وفضله، معتقداً أنه لا باسط لما قبض ولا قابض لما بسط، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم يوم أُحد حين انكفأ المشركون قال:"استووا حتى أثني على ربي"فصاروا خلفه صفوفاً فقال:"اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم القيامة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشرِّ ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك،"
(1) "جامع البيان" (4/ 432 - 435) باختصار.