فهرس الكتاب
الصفحة 224 من 335

وآثار حبّه لأوليائه وأصفيائه عليهم لا تخطر ببال، ولا تحصيها الأقلام، وأما مودة أوليائه له فهي رُوحهم ورَوحهم وحياتهم وسرورهم، وبها فلاحهم وسعادتهم، بها قاموا بعبوديته، وبها حمدوه وشكروه، وبها لهجت ألسنتهم بذكره، وسعت جوارحهم لخدمته، وبها قاموا بما عليهم من الحقوق المتنوعة، وبها كفوا قلوبهم عن التعلق بغيره وخوفه ورجائه، وجوارحهم عن مخالفته، وبها صارت جميع محابهم الدينية والطبيعية تبعا لهذه المحبة.

أما الدينية؛ فإنهم لما أحبوا ربهم أحبوا أنبياءه ورسوله وأولياءه، وأحبوا كل عمل يقرب إليه، وأحبوا ما أحبه من زمان ومكان وعمل وعامل.

وأما المحبَّة الطبيعية؛ فإنهم تناولوا شهواتهم التي جبلت النفوس على محبتها من مأكل ومشرب وملبس وراحة على وجه الاستعانة بها على ما يحبه مولاهم، وأيضاً فكما قصدوا بها هذه الغاية الجليلة فإنهم تناولوها بحكم امتثال الأوامر المطلقة في مثل قوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ونحوها من الأوامر والترغيبات المتعلقة بالمباحات والراحات، فصار السبب الحامل لها امتثال الأمر، والغاية التي قصدت لها الاستعانة بها على محبوبات الرب، فصارت عاداتهم عبادات، وصارت أوقاتهم كلها مشغولة بالتقرب إلى محبوبهم.

وكلُّ هذه الآثار الجميلة الجليلة من آثار المحبة التي تفضَّل بها عليهم محبوبهم، وتقوى هذه الأمور بحسب ما في القلب من الحب الذي هو روح الإيمان، وحقيقة التوحيد، وعين التعبد، وأساس التقرب.

فكما أن الله ليس له مثيل في ذاته وأوصافه، فمحبته في قلوب أوليائه ليس لها مثيل ولا نظير في أسبابها وغاياتها، ولا في قدرها وآثارها، ولا في لذتها وسرورها، وفي بقائها ودوامها، ولا في سلامتها من المنكدات والمكدرات من كل وجه"اهـ (1) ."

(1) "فتح الرحيم الملك العلام" (ص/55 - 57) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام