الإحسان، وبها يسر لهم الأمور، وبها فرَّج عنهم الكربات، وأزال المشقات، وبها شرع لهم الشرائع ويسرها ونفى عنهم الحرج، وبها بين لهم الصراط المستقيم وأعماله وأقواله، وبها يسر لهم سلوكه، وأعانهم على ذلك شرعاً وقدراً، وبها دفع عنهم المكاره والمضار كما جلب لهم المنافع والمسار، وبها لطف بهم ألطافاً شاهدوا بعضها، وما خفي عليهم منها أعظم.
فجميع ما فيه الخليقة من محبوبات القلوب والأرواح والأبدان الداخلية والخارجية، الظاهرة والباطنة فإنها من كرمه وجوده، يتودد بها إليهم؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن إليها، فأي إحسان أعظم من هذا الإحسان الذي يتعذر إحصاء أجناسه، فضلاً عن أنواعه، فضلاً عن أفراده، وكل نعمة منه تطلب من العباد أن تمتلئ قلوبهم من مودته وحمده وشكره والثناء عليه.
ومن تودُّده: ان العبد يشرد عنه فيتجرأ على المحرمات، ويقصُر في الواجبات، والله يستره ويحلم عنه ويمده بالنعم، ولا يقطع عنه منها شيئاً، ثم يُقيض له من الأسباب والتذكيرات والمواعظ والإرشادات ما يجلبه إليه، فيتوب إليه وينيب، فيغفر له تلك الجرائم، ويمحو عنه ما أسلفه من الذنوب العظائم، ويعيد عليه وده وحبه، ولعل هذا - والله أعلم -سرُّ اقتران الودود بالغفور في قوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) [البروج: 14] .
ومن كمال مودته للتائبين أنه يفرح بتوبتهم أعظم فرح يقدَّر، وأنه أرحم بهم من والديهم وأولادهم والناس أجمعين، وأن من أحبه من أوليائه كان معه وسدده في حركاته وسكناته، وجعله مجاب الدعوة وجيهاً عنده، كما في الحديث القدسي:"لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءتَه"رواه البخاري (1) .
(1) (رقم: 6137) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.