فهرس الكتاب
الصفحة 219 من 335

قال ابن القيِّم رحمه الله:"وهذا من فقه ابن عباس رضي الله عنهما وعلمه بالتأويل، ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات، فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقَّها، وإن كانوا يقرُّون بها، فمنكرو القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بها على وجهها، ومنكرو أفعال الرب تعالى القائمة به لا يقرون بها على وجهها، بل يصرِّحون أنه لا يقدر على فعل ما يقوم به، ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن، يفعل ما يشاء؛ لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقرُّ بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه؛ لا يقر بأن الله على كل شيء قدير ... إلى غير ذلك من شؤونه وأفعاله التي من لم يقر بها لم يقر بأن الله على كل شيء قدير، فيا لها كلمة من حبر الأمة، وترجمان القرآن رضي الله عنه"اهـ (1) .

هذا؛ وإن للإيمان بقدرة الله عز وجل التي دل عليها أسماؤه"القدير، القادر، المقتدر"آثاراً عظيمة، وثماراً مباركة، تعود على العبد في دنياه وأخراه، كيف لا والإيمان به قطب رحا التوحيد ونظامه، ومبدأ الإيمان وتمامه، وأصل الدين وقوامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان.

فمن ثماره المباركة أنه يقوي في العبد الاستعانة بالله وحسن التوكل عليه، وتمام الالتجاء إليه، روى الترمذي في"جامعه" (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كنت خلف النبي يوماً فقال لي: يا غلام؛ إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

(1) "شفاء العليل" (1/ 130 - 131) .

(2) (رقم: 2516) وقال: حسن صحيح.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام