ومن شكره سبحانه: أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير ولا يضيع عليه هذا القدر.
ومن شكره سبحانه: أن العبد من عباده يقوم له مقاما يرضيه بين الناس فيشكره له، وينوه بذكره، ويخبر به ملائكته وعباده المؤمنين كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى به عليه، ونوه بذكره بين عباده، وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه، فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك، فإنه سبحانه غفور شكور، يغفر الكثير من الزلل، ويشكر القليل من العمل.
ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها واتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها، ولهذا يبغض الكفور والظالم والجاهل والقاسي القلب والبخير والجبان والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين، جواد يحب أهل الجود، ستار يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكل ما يحبه فهو من آثار أسمائه وصفاته وموجبها، وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها"اهـ (1) ."
وفي الآيات المتقدمة جمع بين الغفور والشكور، فهو سبحانه غفور للذنوب كلها مهما عظمت فلا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره، الشكور لكل عمل وإن قل ولو كان مثقال ذرة، ولهذا لا يجوز للمسلم أن يقنط من غفران الله للذنوب مهما عظمت، كما لا يجوز له أن يحقر من أعمال البر شيئاً مهما قلَّت؛ فإن الرب سبحانه غفور شكور.
وإنا لنسأله سبحانه متوسِّلين إليه بهذين الاسمين العظيمين أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، إنه غفور شكور.
(1) "عدة الصابرين" (ص/335 - 337) باختصار.