أما حمده سبحانه على إحسانه إلى عباده فلأن النعمة موجبة لحمد المنعِم، والنِّعم كلُّها من الله، وهذا النّوع من الحمد مشهود للخليقة برِّها وفاجرها، مؤمنها وكافرها من جزيل مواهبه، وسعة عطاياه، وكريم أياديه، وجميل صنائعه، وحسن إكرامه لعباده، وسعة رحمته لهم، وبره ولطفه، وإجابته لدعوات المضطرين، وكشف كربات المكروبين، وإغاثة الملهوفين، ورحمته للعالمين، وابتدائه بالنّعم قبل السؤال، ومن غير استحقاق، بل ابتداءً منه بمجرَّد فضله وكرمه وإحسانه، ودفع المحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها، وصرفها بعد وقوعها، ولطفه تعالى في ذلك إلى ما لا تبلغه الآمال، وهدايته خاصته وعباده إلى سبيل دار السلام، ومدافعته عنهم أحسن الدفاع، وحمايتهم من الوقوع في الآثام، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين، وفتح لهم أبواب الهداية، وعرفهم الأسباب التي تدنيهم من رضاه وتبعدهم عن غضبه، إلى غير ذلك من نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى، ومن أراد مطالعة أصول النعم وما توجبه من حمد الله وذكره وشكره وحسن عبادته فلْيُدِمْ سرحَ الذِّكر في رياض القرآن الكريم، وليتأملْ ما عدَّد الله فيه من نعمه وتعرَّف بها إلى عباده من أوّل القرآن إلى آخره.
فلله الحمد شكراً، وله الحمد فضلاً، له الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالقرآن، وله الحمد بالأهل والمال والمعافاة، له الحمد بكل نعمة أنعم بها في قديم أو حديث، أو سرٌ أو علانية، أو خاصّة أو عامة، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وأمّا حمده سبحانه لما له من الأسماء والصفات ولما يستحقه من كمال النُّعوتِ فأمرٌ متواترٌ؛ فإنه سبحانه قد حمد نفسه في كتابه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرده بالإلهية، وحمد نفسه على كمال أسمائه وعظمة صفاته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك وموالاة أحد من خلقه لحاجته إليه، كما قال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111] .