قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئاً لم أفهمه، قلت لأبي جعفر: ما قال؟ قال:"من رزقهنَّ عند موته لم تمسّه النار".
فهذه شهادة عظيمة من الله لنفسه بوحدانيته، وتصديق للشاهدين بذلك من عباده، وهذا التصديق من الله لعباده الشاهدين له بالتوحيد، وكذلك تأييده لهم بالحجة والبرهان، كله من دلائل اسمه"المؤمن".
قال ابن القيِّم رحمه الله:"من أسمائه المؤمن، وهو في أحد التفسيرين: المصدِّق، الذي يصدق الصادقين بما يقيم لهم من شواهد صدقهم، فهو الذي صدق رسله وأنبياءه فيما بلغوا عنه، وشهد له بأنهم صادقون بالدلائل التي دلَّ بها على صدقهم قضاء وخلقاً، فإنه سبحانه أخبر- وخبره الصدق، وقولهالحق- أنه لا بد أن يري العباد من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغت رسله حق، فقال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: 53] ، أي: القرآن؛ فإنه هو المتقدم في قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) [فصلت: 52] ، ثم قال: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53] ، فشهد سبحانه لرسوله بقوله أن ما جاء به حق، ووعده أن يري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضاً، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك وأجل وهو شهادته سبحانه على كل شيء قدير" (1) .
وهذا معنى قول قتادة رحمه الله:"المؤمن آمن لقوله أنه حقٌّ" (2) .
كما أن من دلائل اسمه"المؤمن"تأمين الخائف، وذلك بإعطائه الأمان وهو ضد الإخافة، قال الله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 4] ، وقال تعالى: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) [النور: 55] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما:"المؤمن: أي: أمَّن خلقه من أن يظلمهم" (3) .
(1) "مدارج السالكين" (3/ 485) .
(2) رواه ابن جرير الطبري في"تفسير" (22/ 552) .
(3) ذكره ابن كثير في"تفسيره" (8/ 105) .