فهرس الكتاب
الصفحة 177 من 335

أمَّا الحكمة في الخلق فإنه سبحانه خلق الخلق بالحق، ومشتملاً على الحق، وكان نهايته وغايته الحق، أوجده بأحسن نظام، ورتبه بأكمل إتقان، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كل جزءٍ من أجزاء المخلوقات، وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته اللائقة به، بحيث لا يُرى فيه شيء من التفاوت والخلل (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك: 3 - 4] ، ولو اجتمعت عقول الخلق على أن يقترحوا مثلاً أو أحسن من هذه الموجودات لم يقدروا على ذلك (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل: 88] .

وإذا كان من المتقرِّر أنَّ الله سبحانه له الكمال الذي لا يحيط به العباد، وأنه ما من كمال تفرضه الأذهان ويقدره المقدِّرون إلا والله أعظم من ذلك وأجلّ؛ فإن أفعاله وجميع ما أوصله إلى الخلق أكملُ الأمور وأحسنها وأنظمها وأتقنها، فالفعل يتبع في كمالِهِ وحسنِهِ فاعلَهُ، والتدبير منسوب إلى مدبره، والله تعالى كما لا يشبهه أحد في صفاته في العظمة والحسن والجمال، فكذلك لا يشبهه أحد في أفعاله.

وأمَّا الحكمة في أمره وشرعه فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليَعرِفَه العباد ويعبدوه، فلم يخلقهم هملا، ولم يوجدهم سُدىً، بل خلقهم لأكمل مقصد، وأوجدهم لأجلِّ غاية.

ومعرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له التي هي مقصود الخلق هي أفضل العطايا منه تعالى لعباده على الإطلاق، وأجلُّ الهبات وأشرف المنن لمن يمنّ الله عليه بها ويكرمه ببلوغها وتحقيقها، وهي أكمل السعادة والفلاح والسرور للقلوب والأرواح، بل هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام