(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى: 10] ، ثم قال مبيِّناً صفات من له الحكم: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشورى: 10 - 12] ، أي: أن الذي له هذه الصفات هو الذي يستحقّ أن يشرع ويحلل ويحرم، وجعلُ ذلك لغيره أظلم الظلم وأعظم الجور (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50] .
كما أنَّ في ذلك دلالة على أنَّ من هذا شأنه هو المستحق وحده أن يفرد بالذل والخضوع، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 40] ، وقال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 88] .
ومن أسماء الله:"الحَكَم"؛ ففي الحديث عن هانئ بن يزيد الحارثي: أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الله تعالى هو الحكم وإليه الحكم، فلِمَ تكنى أبا الحكم؟"فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينهم فرضي كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أحسن هذا فما لك من الولد؟"، قال: لي شريح ومسلم وعبد الله، قال:"فمن أكبرهم؟"، قلت: شريح، قال:"فأنت أبو شريح"، رواه أبو داود والنسائي والبخاري في"الأدب المفرد" (1) .
أمّا كمال الحكمة فبثبوت الحكمة له سبحانه في خلقه وفي أمره وشرعه، حيث يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ولا يتوجه إليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال.
(1) "سنن أبي داود" (رقم: 4955) ، و"سنن النسائي" (رقم: 5387) ، و"الأدب المفرد" (رقم: 811) . وصحّحه الألباني في"صحيح الأدب المفرد" (رقم: 623) .