وأما الإحاطة المكانية فقد أحاطت ظاهريته وباطنيَّته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، كما قال عليه الصلاة والسلام:"وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء"، فعلا على كل شيء بظهوره، فهو العلي الأعلى الذي ليس شيء فوقه، استوى على عرشه المجيد، والعرش سقف المخلوقات وأعلاها، والله فوق العرش، فظاهريته سبحانه هي فوقيته وعلوه على كل شيء، ودنا من كل شيء ببطونه، فبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، فهو يدل على كمال اطلاعه على السرائر والخفايا، ودقائق الأشياء وخبايا الأمور، كما يدل على كمال قربه ودنوه، فمع علوه على عرشه فهو قريب من خلقه محيط بهم، فلا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهرٌ باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية.
وإذا عرف المسلم هذه الأسماء العظيمة، وعرف ما تدل عليه من الكمال والعظمة والإحاطة وجب عليه أن يعامل كل اسم بما يقتضيه من ذل وعبودية.
فمعرفة أولية الله لكل شيء وسبقِه بالفضل والإحسان الأسبابَ كلَّها تقتضي إفراده وحده بالذل والالتجاء، وعدم الالتفات إلى غيره أو التوكل على سواه، وتقتضي التجرد من التعلق بالأسباب والالتفات إليها إلى التعلق بمن منه الإمداد ومنه الإعداد، وفضله سابق على الوسائل والأسباب.
ومعرفة آخريَّة الله تقتضي أن يُجعل وحده غاية العبد التي لا غاية له غيره، ولا مطلوب له وراءه، إليه وحده المنتهى، وليس وراءه مرمى ولا بعده مقصد، وتقتضي عدم الركون إلى الأسباب؛ فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت، وبالباقي الذي لا يزول.