ومعرفة ظاهريته وأنه فوق عباده يدبر أمورهم، وتصعد إليه أعمالهم؛ تقتضي حسن توجه القلب إليه، وتمام الذل بين يديه والخضوع لجنابه وعظمته والضراعة إليه وحده دون سواه (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62] ، وأمَّا من لا يؤمن بظاهريَّة الله وعلوّه فإنه ضائع مشتَّت القلب، ليس لقلبه قبلة يتوجه نحوها، ولا معبود يتوجّه إليه قصده.
ومعرفة باطنيّته سبحانه وشهود إحاطته بالعوالم وقربه من العبيد وعلمه بالبواطن والسرائر والخفيات تقتضي تزكية النفس وإصلاح السريرة وتطهير الباطن وتنقية القلب وعمارته بالإيمان والتقى.
ففي هذه الأسماء الأربعة جماع المعرفة بالله وجماع العبودية له، كما أن فيها قمعاً للوساوس المهلكة، والشكوك المردية التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان بُغية إهلاكه وصرفه عن الإيمان.
روى أبو داود في"سننه" (1) بإسناد جيِّد عن أبي زُميل سماك بن الوليد قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من الشك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحدٌ، قال: حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس: 94] ، قال: فقال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد: 3] .
فأرشد رضي الله عنه إلى هذا الذِّكر الحكيم لطرد الوساوس وقطع الشكوك.
(1) (رقم: 5110) .