ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما:"احفظ الله يحفظك". رواه أحمد والترمذي (1) ؛ أي: احفظ أوامره بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعديها، يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك وفي جميع ما آتاك الله من فضله.
وقد مدح الله عباده الذين يحفظون حقوقه وحدوده فقال: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 112] ، وقال: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ(32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [ق: 32 - 33] ، ويدخل في هذا حفظ التوحيد من نواقضه ونواقصه؛ إذ هو أعظم ما ينبغي أن يحفظ ويصان، وحفظ شعائر الإسلام ولا سيما الصلاة (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238] ، وحفظ السمع والبصر والفؤاد (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36] ، وحفظ الفروج (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 5 - 7] ، إلى غير ذلك مما أمر الله عباده بحفظه، وجعل ثوابهم على ذلك حفظه لهم ودفاعه عنهم ووقايتهم من كل ضر وبلاء.
ولا حافظ للعبد في دينه ودنياه وفي أي أمر من أموره إلا الله (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64] .
وكم هو جميل بالعبد مع حفظه لما أمره الله بحفظه أن يتوجَّه إلى الله بالدعاء أن يعافيه في دينه ودنياه وأن يحفظه من كل شر وبلاء، وفي"المسند" (2) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي".
(1) "مسند الإمام أحمد" (1/ 293) ، و"جامع الترمذي" (رقم: 2516) وغيرهما. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(2) (2/ 25) وإسناده صحيح.