فهرس الكتاب
الصفحة 160 من 335

والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه" (1) . أهـ."

قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة: 235] ، وقال تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب: 52] ، وقال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4] ، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14] ، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور: 48] ، وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19] . والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال له:"أنْ تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك"، رواه مسلم (2) .

فتأمّلُ هذه النصوص وما في معناها يحرِّك في العبد مراقبة الله عز وجل في كل أعماله وجميع أحواله، إذ المراقبة ثمرة من ثمار علم العبد بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطَّلع على عمله في كلّ وقت، وكل لحظة، وكل نَفَس، وكلّ طرفة عين.

والمراقبة منزلة عليّة من منازل السائرين إلى الله والدار الآخرة، وحقيقتها دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي مراقبة لله عند أمره ليفعله العبد على أحسن حال، ومراقبة له عند نهيه ليجتنبه العبد وليحذر من الوقوع فيه. كما قال الشاعر:

إذا ما خلوت الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خلوتُ ولكنْ قُل عليَّ رقيبُ

ولا تحسبنَّ الله يغفلُ ساعةً ... ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ

(1) "الحق الواضح المبين" (ص/31 - 32) .

(2) (رقم: 8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مطولاً.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام