فهرس الكتاب
الصفحة 161 من 335

وهذه المراقبة تحتاج من العبد إلى حضور القلب واجتناب الغفلة ودوام الذِّكر، وهذا يثمر سرور القلب وانشراح الصدر وقرّة العين بالقرب من الله، وهو نعيم معجَّل يناله العبد في دنياه قبل أخراه.

قال ابن القيِّم رحمه الله:"فإنَّ سرور القلب بالله، وفرحه به، وقرّة العين به، لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا البته، وليس له نظير يقاس به، وهو حال من أحوال أهل الجنة، حتى قال بعض العارفين:"إنه لتمر بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهلُ الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب". ولا ريب أنَّ هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مرضاته، ومن لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه فليتهم إيمانه وأعماله، فإن للإيمان حلاوة من لم يذقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان ووَجْد حلاوته فذكر الذوق والوجد وعلقه بالإيمان فقال:"ذاقَ طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً" (1) ، وقال:"ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلاَّ لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار" (2) ."

وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: إذا لم تجدْ للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحاً فاتهمه، فإنَّ الربَّ تعالى شكور، يعني أنه لا بد أن يثيبَ العامِلَ على عمله في الدُّنيا من حلاوةٍ يجدها في قلبه وقوّةٍ وانشراحٍ وقرةِ عين؛ فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول"اهـ (3) ."

(1) رواه مسلم (رقم: 34) من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

(2) رواه البخاري (رقم: 16) ، ومسلم (رقم: 43) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3) "مدارج السالكين" (3/ 67 - 68) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام