نقِّل فؤادك حيثُ شئتَ مِن الهوى ... ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى ... وحنينُهُ أبداً لأولِ منزِلِ
فمَن حرص على أن يكون همُّه واحداً وهو الله، وطريقه واحداً وهو بلوغ رضاه؛ نال غاية المنى، وحاز مجامع السعادة، إلا أن حال أكثر الخلق في نأي عن هذا المرام، كما قال بعض السلف:"مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه" (1) .
فهذه المعرفة والمحبَّة والأنس هي السبيل الآمنة للسائرين والطريق الرابحة للمستثمرين،"فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنه عجب وفتحه عجب، صاحبه قد سيقت له السعادة وه مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه" (2) ، فلا يزال مترقياً في هذه المعالي، ماضياً في هذه الطريق إلى أن يبلغ عالي الرتب ورفيع المنازل.
وسبيل هذه المعرفة يكون"باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها، وتمتلئ بأجل المعارف، فمثلاً أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة تملأ القلب تعظيماً لله وإجلالاً له، وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود تملأ القلب محبة لله وشوقاً له وحمداً له وشكراً، وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة تملأ القلب خضوعاً لله وخشوعاً وانكساراً بين يديه، وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات، وحراسة للخواطر عن الأفكار الردَّية والإرادات الفاسدة، وأسماء الغنى واللطف تملأ القلب افتقاراً واضطراراً إليه والتفاتاً إليه كل وقت في كل حال."
(1) ذكره ابن القيم في"الجواب الكافي" (ص/123) .
(2) "طرق الهجرتين" (ص/393 - 394) .