فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 335

فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته وتعبده بها لله لا يحصِّل العبد في الدنيا أجلّ ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده، وهي رُوح التوحيد ورَوْحُه، ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص والإيمان الكامل" (1) ."

وها هنا ينبغي أن يعلم أن معرفة الله سبحانه نوعان: الأول: معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها الناس البر والفاجر والمطيع والعاصي، والثاني: معرفة توجب الحياء منه والمحبة له وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار من الخلق إليه (2) .

وهذه المعرفة هي المصدر لكل خير، والمنبع لكل فضيلة، ولهذا فإنَّ طريقة القرآن في الدعوة إلى الحق والهدى والتحذير من مواطن الهلاك والردى قائمة على فتح أبواب هذه المعرفة، ففي القرآن يذكر سبحانه من صفات كماله وعلوه على عرشه وتكلُّمه وتكليمه وإحاطة علمه ونفوذ مشيئته ما يدعو العباد إلى لزوم الإخلاص وتحقيق التوحيد والبراءة من اتخاذ الأنداد والشركاء.

ويذكر لهم من أوصاف كماله ونعوت جلاله ما يجلب قلوبهم إلى المبادرة إلى دعوته والمسارعة إلى طاعته والتنافس في القرب منه ولزوم ذكره وشكره وحسن عبادته، ويذكر صفاته أيضاً عند ترغيبه لهم وترهيبه وتخويفه ليُعرِّف القلوب من تخافه وترجوه وترغب إليه وترهب منه.

ويذكر صفاته أيضاً عند أحكامه وأوامره ونواهيه ليعظِّم العبادُ أمره ويلزموا شرعه، فقلَّ أن تجد آيةً فيها حكم من أحكام المكلَّفين إلا وهي مختتمةٌ بصفة من صفاته أو صفتين، وقد يذكر الصفة في أوَّل الآية ووسطها وآخرها، كقوله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: 1] .

(1) "القول السديد"لابن سعدي ضمن"المجموعة الكاملة لمؤلفاته" (3/ 45 - 46) .

(2) انظر:"الفوائد"لابن القيم (ص/190) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام