ومن شواهد قوته أنه لا مفرَّ إلا إليه ولا ملجأ للعبد ولا منجا منه إلاَّ إليه، قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) [الأنفال: 59] ، وقال تعالى عن الجن: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا) [الجن: 12] ، وقال تعالى: (وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف: 32] ، وقال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50] .
ومن شواهد قوته أنه الفعال لما يريد، لا يقع شيءٌ في هذا العالم من حركة أو سكون، أو خفض أو رفع، أو عز أو ذل، أو عطاء أو منع إلا بإذنه، يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب، بل قهر كل شيء، ودان له كل شيء، كما قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54] ، وقال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2] ، وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس: 3] .
هذا وإن إيمان العبد بهذا الاسم يثمر فيه انكساراً بين يدي الله وخضوعاً لجانبه وخوفاً منه سبحانه ولُجوءاً إليه وحده، وحسن توكل عليه، واستسلاماً لعظمته، وتفويضَ الأمور كلِّها إليه، والتبرؤ من الحول والقوة إلا به.
ولهذا كانت كلمةُ"لا حول ولا قوة إلا بالله"جليلةَ الشأن، كبيرة القدر، عظيمة الأثر، قال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه:"يا عبد الله بن قيس، قلْ: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها من كنوز الجنة"، متَّفق عليه (1) .
وروى الإمام أحمد من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه، قال:"أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع، فذكرها، قال:"وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنهن من كنزٍ تحت العرش" (2) ."
(1) "صحيح البخاري" (رقم: 6384) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 2704) .
(2) رواه الإمام أحمد (5/ 159) وغيره بإسناد حسن. وانظر:"السلسلة الصحيحة" (2166) .