وكما تقدّم؛ التكبير معناه: التعظيم، لكنه ليس مرادفاً له، فالكبرياء أكمل من العظمة؛ لأنه يتضمنها ويزيد عليها في المعنى، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وفي قوله"الله أكبر"إثبات عظمته، فإن الكبرياء تتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل. ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول:"الله أكبر"، فإن ذلك أكمل من قول:"الله أعظم"، كما ثبت في"الصحيح"عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما عذّبته"، فجعل العظمة كالإزار، والكبرياء كالرداء، ومعلوم أن الرداء أشرف، فلما كان التكبير أبلغ من التعظيم صرّح بلفظه، وتضمن ذلك التعظيم" (1) أهـ."
وهاهنا أمر ينبغي التنبّه له وعدم إغفاله، وهو أن المسلم إذا اعتقد وآمن بأن الله سبحانه وتعالى أكبر من كلّ شيء، وأن كلَّ شيء مهما كبر يصغر عند كبرياء الله وعظمته، علم من خلال ذلك علم اليقين أن كبرياء الرب وعظمته وجلاله وجماله وسائر أوصافه ونعوته أمر لا يمكن أن تحيط به العقول أو تتصوره الأفهام، أو تدركه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأكبر من ذلك (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111] .
وأمر آخر، ألا وهو أنّ من علم مدلول هذين الاسمين ذلَّ لربِّه وانكسر بين يديه، وصرف له أنواع العبادة، واعتقد أنه المستحق لها دون سواه، وعرف أن كل مُشرك لم يقدر ربَّه العظيم حق قدره، كما قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67] ، وقال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) [نوح: 13 - 20] .
(1) "مجموع الفتاوى" (10/ 253) .