التاسع: إخباره صلى الله عليه وسلم أنه تردد بين موسى عليه السلام وبين ربِّه ليلة المعراج بسبب تخفيف الصلاة، فيصعد إلى ربِّه، ثم يعود إلى موسى عدّة مرار، وحديث المعراج مخرَّج في"الصحيحين" (1) وغيرهما.
العاشر: إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء ليطّلع إلى إله موسى، فيكذبه فيما أخبره من أنه سبحانه فوق السماوات: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ(36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) [غافر: 36 - 37] ، أي: إني لأظن موسى كاذباً فيما أخبر به من أن الله في السماء، فمن نفى علوَّ الله ففيه شبه من فرعون، ومن أثبت علو الله فهو على نهج موسى عليه السلام، ونهج جميع النبيِّين عليهم صلوات الله وسلامه.
فهذه الأدلَّة ونظائرها كثير في الكتاب والسنة؛ تضمنت إثبات علو الله تبارك وتعالى، وأنه عالٍ على كلِّ شيء، وفوق كلِّ شيء، ولا شيء فوقه، بل هو فوق العرش المجيد كما أخبر بذلك عن نفسه، وكما أخبر بذلك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمرٌ متقررٌ مجمعٌ عليه بين سلف الأمة وأئمة المسلمين.
قال أبو نصر السجزي رحمه الله في كتابه"الإبانة":"وأئمتنا كسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ متفقون على أنّ الله سبحانه بذاته فوق العرش، وأنّ علمه بكلّ مكان" (2) .
والإيمان بعلو الله على خلقه يورث العبد تعظيماً لله وذلاً بين يديه، وانكساراً له، وتنزيهاً له عن النقائص والعيوب، وإخلاصاً في عبادته، وبعداً عن اتخاذ الأنداد والشركاء، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62] .
(1) "صحيح البخاري" (رقم: 342) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 163) من حديث أنس بن مالك، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(2) نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في"المجموع" (3/ 262) .