"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني، وأعطيتُ كلَّ واحد مسألته ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً إلاَّ كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر" (1) .
وفي"الصحيحين" (2) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبَّرنا، فقال: اِرْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً بصيراً قريباً".
وقوله:"ارْبَعُوا على أنفسكم"أي: ارفقوا بأنفسكم فلا تكلفوها برفع أصواتكم، فإنه لا حاجة على ذلك، فإن مَن تُكبِّرونه سميع بصيرٌ يسمع الأصوات الخفية كما يسمع الجهرية.
وقد أنكر الله سبحانه ظنّ من ظن من المشركين أن الله لا يسمع السِّر والنجوى، قال الله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80] ، وفي"الصحيحين" (3) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي، كثيرة شحم بطونهم، قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدُهم: أترون أنَّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت: 22] ".
وفي هذا السِّياق المبارك دلالة على أن فساد الاعتقاد فيما يتعلق بصفات الرب وأسمائه يترتب عليه فساد الأعمال وانحلال الدين والوقوع في الهلاك والردى والخسران، ولذا قال سبحانه: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 23 - 24] .
(1) طرف من حديث رواه مسلم (رقم: 2577) عن أبي ذر رضي الله عنه.
(2) "صحيح البخاري" (رقم: 6384) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 2704) .
(3) "صحيح البخاري" (رقم: 4817) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 2775) .