وقوله رحمه الله: (لكن بعض الناس قال إن إيمان الخلق مستو فلا يتفاضل إيمان أبي بكر وعمر وإيمان الفساق) ، فالمقصود بهم المرجئة الذين قالوا باستواء الناس في التصديق والإقرار.
ومنهم من قال باستواء الناس في أصل الإيمان وبتفاضلهم في الأعمال [1] ، وكل ذلك بناء على أن التصديق بالقلب واللسان أو بالقلب فقط وذلك لا يتفاضل، وهو قول كثير من المرجئة، فمنهم من قال ذلك صراحة كما سبق ذلك في الكلام على الفرقة التاسعة والحادية عشر والثانية عشر.
ولكن فرق المرجئة ليسوا جميعا على قول واحد، فمنهم من يقول إن الأعمال ليست من الإيمان أصلا، وليس لها تعلق به كما سبق.
ومنهم من يقول إن الأعمال ليست من الإيمان، ولكنها من ثمراته، وإن الناس في أصل الإيمان متساوون، ولكنهم يتفاضلون في المنازل والدرجات بالأعمال الصالحة، وكل ذلك مبني على الغلط في الكلام على مسمى الإيمان.
ومذهب السلف أهل السنة أن شعب الإيمان تتفاضل، وأن أهل الإيمان كذلك يتفاضلون بما في القلب من الأقوال والأعمال، وكذلك بأعمال الجوارح الظاهرة، وأن إيمان أبي بكر الصديق والسابقين الأولين ليس كإيمان من بعدهم بلا شك ولا ريب، فضلا عن أن يكون إيمان العصاة والفاسقين كإيمان الصديقين والطائعين، والدليل على ذلك ما سبق من الأدلة وما ورد موردها وهي كثيرة.
ومما يبين أن الأعمال تتفاضل في نفسها ما ورد في كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: ثم إن نفي الإيمان عند عدمها - يعني الأعمال - دل على أنها واجبة، وإن ذكر فضل إيمان صاحبها ولم ينف إيمانه دل على أنها مستحبة، فإن الله ورسوله لا
(1) ومثل هذا ما ورد في العقيدة الطحاوية من قول الطحاوي في الإيمان: والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى، وهذا خطأ واضح.