فهرس الكتاب
الصفحة 376 من 393

والرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس.

والخامسة: معرفة الناس.

ثم قال ابن القيم رحمه الله:

وأما الخامسة: معرفة الناس، فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر، له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال، وتصور له الزنديق في صورة الصِّديق، والكاذب في صورة الصادق، ولبس كل مبطل ثوب زور تحتها الإثم والكذب والفجور، وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا.

بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم، فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله كما تقدم بيانه، وبالله التوفيق. اهـ [1] .

ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم التتار بيَّن رحمه الله أن الكلام على حكمهم يتوقف على معرفة شيئين وهما: المعرفة بحالهم، ومعرفة حكم الله في أمثالهم، وبعد أن بين رحمه الله تعالى حكم الله في أمثالهم شرع يبين أحوالهم في خمسة صفحات كاملة. [2]

هذا وإن مما يسبب كثيرا من الخلاف بين المسلمين في مسألة الحكم والتشريع وحكم من خرج عن حكم الله تعالى بصورة من الصور هو عدم تنقيح وتحقيق مناط الأحكام النظرية بصورة سليمة، فيورث ذلك إما غلو في الأحكام أو تفريط فيها، والحق وسط بين طرفين، والواجب وضع كل دليل بما يليق به من المقامات، وإلا أدى خلاف

(1) إعلام الموقعين عن رب العالمين ط العلمية 4/ 152.

(2) مجموع الفتاوى 28/ 510.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام