الكتاب.
وإما أن هؤلاء قد دخلت عليهم شبهة المرجئة القائلين بصحة الإيمان بالإقرار بالشهادتين دون اعتبار لانتفاء نواقضها، وكلا الفريقين - من قال بقول الجهمية ومن قال بقول المرجئة - قد قال باطلا وأخطأ فيما ذهب إليه، وقد بيّنا بطلان مذهب المرجئة ومدى مخالفته لمذهب أهل السنة والجماعة في المسألة الأولى من الباب الثاني من الجزء الأول من هذا الكتاب.
وليت الأمر قد وقف عند هذا الحد فقط، بل ذهب هؤلاء مذهبا بعيدا وذلك بنسبة مخالفيهم - الذين يكفرون الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله والمبدلين لشريعة الله تعالى - إلى مذهب الخوارج الذين يكفرون أهل الإسلام بالمعصية غير المكفرة، وهذا ظلم وجهل منهم.
وكما سنبين إن شاء الله تعالى بالأدلة الشرعية أن الإجماع حاصل على ما أنكروه ونقموه من تكفير من لم يحكم بما أنزل الله أو حكم بغير الشريعة أو بدل أحكام الله تعالى وألزم الناس بقوانين وضعية مخالفة لدين الله تعالى.
وفي هذا الفصل نبين إن شاء الله تعالى الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم على صحة ما قررناه في الفصل السابق.
ونحن نسوق إن شاء الله تعالى الأدلة القرآنية على ذلك مدعومة بأقوال أهل العلم والتفسير في بيان معناها، مع كشف شبه من خالف في الاستدلال بهذه الأدلة الصريحة.
تنبيه في أهمية فهم الواقع للمفتي والحاكم.
وقبل الشروع في إيراد الأدلة الشرعية ننبه إلى أمر هام وهو الذي يعتبر مدخلا هاما للحكم في هذه المسألة وغيرها، وهو المتعلق بفقه الواقع.
فإننا نجد كثيرا من أهل الصلاح والتقوى وأهل العلم والفتوى يُقدِمون على الكلام في مسائل هم لا يعرفون الواقع فيها معرفة تامة، ولا يتنبهون إلى مداخل أهل الفجور والطغيان، وما يستعملونه من حِيَلٍ لاستخراج الفتاوى من المشايخ والعلماء بحيث تخدم هذه الفتاوى أهدافهم الخبيثة التي يعملون بها على تدمير الإسلام وأهله.