المكره على قتال المسلمين.
وأما ما ورد من رواية أسر العباس فقد قال ابن حجر في شرح الحديث: فأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم بدر: (قد عرفت أن رجالا من بني هاشم قد أخرجوا كرها فمن لقي أحدا منهم فلا يقتله ... ) الحديث، إلى أن قال ابن حجر:
وأخرج ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا عباس افد نفسك وابن أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال) ، قال: إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، قال - صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما تقول؛ إن كنت ما تقول حقا إن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا) [1] .
قلت: فانظر إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فلا ريب أن هذا يجب عليه إن أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون؛ كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين وكما لو أكره رجل رجلا على قتل مسلم معصوم؛ فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس، فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو.
يتبين لك أن الذين يخرجون لقتال المسلمين مع طواغيت هذا الزمان ويدعون أنهم لا يستطيعون الامتناع لأن هذا هو عملهم الذي يرتزقون منه؛ أو أنهم لا يستطيعون الامتناع عن التجنيد الإجباري في جيوش الطواغيت؛ لأنهم إن امتنعوا عن ذلك لا يستطيعون تحصيل بعض أغراض الدنيا مثل غيرهم من الناس.
ويتبين أن هؤلاء كفار خارجون عن ملة الإسلام لأنهم من الطائفة المحاربة لدين الله تعالى، ولا يرد عنهم حكم الكفر أنهم يفعلون ذلك لتحصيل الدنيا، وذلك لأن سبب الكفر في الغالب إنما هو استحباب الدنيا وتقديمها على الآخرة، ولذلك لا تصلح
(1) فتح الباري، ج 7/ 322.