والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يُقتل مظلوما، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم.
فلا ريب أن هذا يجب عليه إن أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون؛ كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين.
وكما لو أكره رجل رجلا على قتل مسلم معصوم؛ فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل، فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس، فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو. اهـ [1]
وقال ابن تيمية أيضا في كلامه عن الكفار: وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة؛ وهو مكره على القتال ويُبعث يوم القيامة على نيته.
كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (يغزو جيش الكعبة فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم، فقيل: يا رسول الله إن فيهم المكره، فقال - صلى الله عليه وسلم: يبعثون على نياتهم .... ) الحديث.
وهذا في ظاهر الأمر وإن قُتل وحكم عليه بما يُحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته، كما أن المنافقين مِنَّا يُحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام، ويُبعثون على نياتهم، والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر.
ولهذا روي عن العباس قال: يا رسول الله كنت مكرها، قال - صلى الله عليه وسلم: (أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله) . اهـ [2]
قلت: وما ذكره ابن تيمية رحمه الله هو من أجمع ما قيل في هذا الباب وفي حكم
(1) مجموع الفتاوى، ج 28/ 535: 540.
(2) مجموع الفتاوى ج 19/ 224: 225.