فهرس الكتاب
الصفحة 279 من 393

هذا ومع وضوح هذه المسألة فقد احتج بعض الناس بقول قاله الزجاج في اشتراط قصد المكلف للحكم عليه بالكفر مخالفا لصريح الأدلة، وفحواه أن الكفر لا يُحكم به على فاعله إلا إذا قصده، وقد خالف به صريح الأدلة السابق ذكرها وما ذكرناه عن العلماء بما يشبه الإجماع مع النظر إلى أنه لم يقم دليل صحيح على اعتبار ما قاله.

وقد نقل قول الزجاج القرطبي، وقال الشوكاني قريبا منه، وقد ذكر ابن الوزير اليماني أن هذا هو عين قول المعتزلة.

وعلى كل حال فلا يصح الاحتجاج بقول كهذا في مقابلة ما نقلناه عن هذا الجمع الغفير من علماء الأمة بل وممن ينتسب إلى مرجئة الفقهاء وممن يقول بقولهم مثل ابن عابدين.

والخلاصة في ذلك أن يقال: كل من أتى بما يوجب الكفر من قول أو فعل فإنه يكفر وإن لم يقصد بقلبه أن يكون كافرا أو يعتقد الكفر بقلبه؛ بشرط أن يكون قاصدا للقول أو الفعل الذي صدر منه.

فلا يكون من قبيل الخطأ ولا سبق اللسان الذي لم يقصده المكلف، ويكون الفعل أو القول صريحا في الدلالة على الكفر؛ والله تعالى أعلم.

وأما ما ذكر - ونقله البعض - عن القاضي أبي يعلى من أن الساب لا يكفر بسبه إلا إذا كان مستحلا له، فقد ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول وبين بطلان هذا القول فضلا عن عدم ثبوته عن أحد من الأئمة الأعلام، وقد نقل رحمه الله عن القاضي نفسه كلاما صريحا يخالف ما ذكر عنه.

ولذلك فقد قال ابن تيمية رحمه الله: وقد نُقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: إن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان مستحلا كفر وإن لم يكن مستحلا فسق.

قال ابن تيمية: ويجب أن يُعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام