وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله) [1] ، وقالت عائشة لأم ولد لزيد بن أرقم - وقد باع بالعينة ـ: أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب، وقد نص أحمد على هذا في رواية فقال: ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه فيستدين فيتزوج ولا يقع في محظور فيحبط عمله.
فقد استقرت الشريعة أن من السيئات ما يحبط الحسنات بالإجماع ومنها ما يحبطها بالنص. اهـ [2]
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئل أصحاب النار هم فيها خالدون} [3] : قال الشافعي إن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا حجة الذي فرغ منه، بل إن مات على الردة فحينئذ تحبط أعماله، وقال مالك: تحبط أعماله بمجرد الردة إلى أن قال القرطبي رحمه الله:
قال ابن العربي: قال علماؤنا: إنما ذكر الله تعالى الموافاة شرطا هاهنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاء، فمن وافى على الكفر خلده في النار بهذه الآية، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان بمعنيين وحكمين متغايرين. اهـ [4]
قلت: مما سبق يتبين أن إحباط العمل نوعان:
النوع الأول: إحباط جزئي؛ وهذا لا يحبط به العمل كله، بل يحبط العمل الذي دخل فيه، وذلك مثل إحباط المن والأذى لثواب الصدقة، وإحباط التعامل بالربا للجهاد في سبيل الله.
(1) رواه البخاري وأحمد والنسائي عن بريدة رضي الله عنه.
(2) مدارج السالكين لابن القيم، ج 1/ 277: 278.
(3) سورة التوربة، الآية: 217.
(4) تفسير القرطبي، ج 3/ 52. ط دار الحديث، وراجع حاشية تفسير الطبري لبدر الدين العيني، ج 2/ 318.