فهرس الكتاب
الصفحة 181 من 393

وإذا تعارضت الظواهر فإن أمكن العمل بكل ما يظهر دون حدوث تعارض وجب ذلك، وإن لم يمكن العمل بها جميعا فيُعمل بالأقوى منها، أو يتبعض الحكم كما في قصة عبد بن زمعة.

ومثال ذلك في موضوعنا أنه متى ظهر من المكلف ما يدل على إسلامه بطريق صحيح شرعا حكمنا له به، ومتى ظهر منه ما يدل على كفره - بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع - حكمنا عليه به.

وإن اجتمع في المكلف ما يدل على إسلامه الظاهر وكفره الظاهر، بمعنى أنه قد اجتمع فيه قول أو عمل يدل على إسلامه، وعمل أو قول يدل على كفره في آن واحد.

فقد نص الشارع على أن الحكم حينئذ يكون للكفر، ولا ينفعه ما يقوم به من أعمال الإسلام وشعائره، فإن الكفر هو الغالب في هذه الحالة.

والمقصود بالكفر هنا الأكبر المخرج من ملة الإسلام وليس الأصغر، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة.

فمن ذلك قوله تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [1] ، فالشرك هنا قد أحبط العمل كله وضيع فائدتها، والخطاب قد توجه هنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعلق أيضا بمن سبقه من إخوانه الأنبياء، ومن المعلوم مكانتهم عند الله تبارك وتعالى، فغيرهم من الناس أولى بذلك.

فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه الأنبياء سيحبط عملهم إن هم وقعوا في الشرك الأكبر - وحاشاهم ذلك - فغيرهم ممن هو أقل منهم منزلة أولى بهذا الخطاب.

ومثله في الدلالة قوله تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [2] ، وقوله

(1) سورة الزمر آية 65.

(2) سورة الأنعام آية 88.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام