فمتى ظهر الحق وأسفرت طريق العدل فثمَّ شرع الله ودينه. اهـ [1] .
قلت: والعمل بالقرائن عند تعذر البينة ثابت بالأدلة الشرعية في عدة أبواب من الفقه، وما يفيدنا في مسألتنا من ذلك أنه يصح الحكم على المكلف بالقرينة أو العلامة إذا تعذر إثبات ظاهر يعتمد عليه أقوى من ذلك، ويكون الحكم حينئذ بالشرع لا بالهوى والتشهي، والله أعلم.
وإذا تعارضت الظواهر فلذلك حالات:
أحدها: إن كانت قوة الظواهر متساوية ولم يمكن العمل بها، فإنه يسقط العمل بها جميعا، ويُلجأ إلى مرجح آخر.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: ومثاله أن يختصم رجلان في ادعاء نسب طفل، ولكل منهما بينة على دعواه، فتتساقط البينتان ويُلجأ إلى القافة لتلحق بأحدهما بناء على شبهه به. اهـ [2] .
الثانية: إن كانت قوة أحد الظواهر أقوى من قوة غيره عُمل بالأقوى، فإن كانتا في قوة واحدة، وأمكن العمل بهما جميعا عمل بهما.
ومثال ذلك حديث اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال سعد: هو ابن أخي عهد إليَّ به، وقال عبد بن زمعة: هو أخي وُلد على فرش أبي، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخو عبد بن زمعة، وقال - صلى الله عليه وسلم - (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه ياسودة) [3] .
وقال ابن القيم رحمه الله: واللعان سبب أقوى من الشبه قاطع النسب، وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب فإنما ذاك إذا لم يقاومه سبب أقوى منه.
(1) تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي ج 1/ 242: 244.
(2) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ج 2/ 44: 45.
(3) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك في الموطأ والدارمي في سننه.