فاستدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في كثير من مسائل الفقه، وأقاموها مقام البينة، فإن قيل هذه أمور في غير شرعنا فلا تلزمنا، فالجواب على ذلك مذكور في باب الحكم بالقرائن [1] .
وقال تعالى {تعرفهم بسيماهم} [2] ، دل على أن المراد بالسيما حال الشخص الذي يظهر عليه، حتى إذا رأينا ميتا في دار الإسلام وعليه زنار وهو غير مختون فإنه لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ويُقدم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء، ويقوم ذلك مقام البينة، إلى أن قال رحمه الله:
ومن ذلك ما وقع في غزوة بدر لابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (هل مسحتما سيفيكما) ، فقالا: لا، فقال - صلى الله عليه وسلم: (أرياني سيفيكما) ، فلما نظر إليهما قال: (هذا قتله) ، وقضى له بسلبه [3] ، فاعتمد على الأثر في السيف.
وكذلك في قصة قتل ابن أبي الحقيق لما دخل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ليلا فضربوه بسيوفهم، وغرز أحدهم السيف في بطنه، حتى خرج من ظهره، فنظر - صلى الله عليه وسلم - إلى سيوفهم، ووجد في ذلك السيف أثر الطعام، فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا قتله.
وحَكم بموجب اللوث ونزله منزلة الشهود، وجعل لولاة الدم أن يحلفوا معه، وكذلك جعل معرفة العفاص والوكاء قائما مقام البينة، وكذلك حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقافة، وجعلها دليلا على ثبوت النسب، إلى أن قال رحمه الله:
(1) المراد بشرع من قبلنا الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة، ولا خلاف بين العلماء في أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يوجبه أو يصححه، ولا خلاف أيضا بينهم في أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا إذا ورد ما يُخالفه في شرعنا، ولكن الخلاف بين العلماء فيما كان شرعا لمن قبلنا ولم يأت في شرعنا ما يصححه أو يعتبره أو ما يُبطله، والراجح والله أعلم أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يُبين عدم اعتباره، وذلك لأن حكايتة مع السكوت عليه يعتبر من باب الإقرار له، راجع في هذه المسألة: المستصفى للغزالي / 132 وما بعدها، والإحكام للآمدي ج 2/ 186 وما بعدها، وشرح مُسَلَّم الثبوت لعبد العلي محمد الأنصاري ج 2/ 184 ـ 185، الإحكام لابن حزم ج 5/ 724، تفسير القرطبي ج 7/ 38، ط دار الحديث القاهرة.
(2) سورة البقرة، الآية: 273.
(3) رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.