قال ابن فرحون المالكي: اعلم أن البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم وارتفاع الإشكال بشهادتهم، كوقوع البيان بقوله - صلى الله عليه وسلم -، قاله أحمد بن موسى بن نصر النحوي في كتابه الحسبة.
قال ابن القيم رحمه الله: ولم تأت البينة في القرآن الكريم مرادا بها الشهود، وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة.
ونقل ابن الفرس في أحكام القرآن عن القاضي إسماعيل: أن العمل بالحكم بالقرائن في مثل اختلاف الزوجين غير مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) [1] .
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُرد بهذا الحديث إلا الموضع الذي تمكن فيه البينة، وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل رحمه الله، فمتى وُجدت القرائن التي تقوم مقام البينة عمل بها.
وقد ورد في القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في قدِّ القميص وإقامة ذلك مقام الشهود، قال ابن الفرس: هذه الآية يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بالعلامات والأمارات فيما لا تحضره البينات.
وقال تعالى {وجاءوا على قميصه بدم كذب} [2] ، رُوي أن إخوة يوسف عليه السلام لما أتوا بقميصه إلى أبيهم تأمله فلم يجد فيه خرقا ولا أثر ناب، فاستدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه.
قال القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تكذبها وهي سلامة القميص، وأجمعوا على أن يعقوب استدل على كذبهم بصحة القميص.
(1) رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي، ورواه الترمذي بسند صحيح عن ابن عمر بلفظ (واليمين على المدعى عليه) ، وروى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة الحديث بلفظ (لو يُعطى الناس بدعواهم ) وفيه (ولكن اليمين على المدعى عليه)
(2) سورة يوسف الآية: 18.